للعراقيين مع سجون البيشمركة ذكريات ليست بالهينة، ذكريات أخذت تعيش، وتأكل، وتتنفس معهم كل يوم.. هي جراحات لا تزال تنزف، وتتنفس، تنزف قيحاً ودماً، وتتنفس مرارةً وهدراً للكرامة.. لا فرق بينها وبين ظلامات القبور، هي نقاط سوداء في تاريخ جلادي العراق الحديث من قاتلي أبنائه، الذين أسسوا معتقلات، وسجون فاقت بشاعتها، غوانتينامو ذائع الصيت ذاته، فلا يمكن لهم أن ينسوا جراحات القبور الدنيوية تلك، وكيف لهم ان ينسوا!؟
مأساة حقيقية، ومرارة وأسىً لا توصف، وكارثة كبيرة، إذلال واحتقار حد الجنون، وموت حد التخمة.. هذا هو واقع حال سجون الأسايش الكردية التي يقودها ويشرف عليها (مسرور)، أبن مسعود برزاني، وشتان بين (مسرور) سياف الرشيد، الذي يقتل بالحق، وبين (مسرور) جزّار البيشمركة، الذي يختطف العراقيين، من عرب وكرد وتركمان، سعياً وراء فدية يضيف واردها الى أطيانه وقصوره وشلالاته، أو قاطعاً لرؤوس من لا يملك من الجرم سوى الدفاع عن العرض والشرف والوطن لا غير، وهو ما لا يروق لبيشمركة إلهها الأوحد، الاحتلال!
أن ما يجري خلف جدران الزنازين وقضبانها الحديدية لنزلاء ونزيلات سجون البيشمركة، ومن قبلهم المحتل، يكشف للعالم بأسره طبيعة أولئك الذين تسلطوا على حكم العراق اليوم، فممارسات التعذيب الوحشي التي مورست وتمارس ضد المعتقلين يقوم بها أشخاص لا يمكن لنا إلا ان نطلق عليهم توصيف همج، وبكل ما تحمله هذه الكلمة من معنى من سليلي الخيانة والجاسوسية!
زنازين البيشمركة، أو الأسايش التابعة لزمر البيشمركة في السليمانية وأربيل تعد امتداداً لأبو غريب، وبوكا، وكوبر، والمطار، وسوسة، وأقبية الداخلية، إن لم تكن مكملة لها، بل وتتجاوزها في طريقة المعاملة، وطبيعة المعاناة، وحجمها، وهنا، ولأول مرة، يتفوق التلميذ على الأستاذ، ويصبح التابع الذليل، أشد عدوانية من المتبوع، والذنب أكثر بطشاً من المخلب !!
وإلى جانب التعذيب، والضرب الموجع والمبرح، والتعليق لفترات طويلة الذي كان المعتقلين يتعرضون إليه، كان السجانون يبتكرون أساليب تعذيبية أخرى، ذات طبيعة نفسية، كمنعهم من صيام رمضان أو الاثنين والخميس، والأيام البيض، ومنعهم من أداء الصلاة، أو قراءة القرآن، وهو ما لم يفعله المحتلون أنفسهم مع المعتقلين في بقية الزنازين التي يضج بها عراق اليوم، بل أنهم يمارسون سياسة وحشية مع المعتقلين العراقيين فاقت ما يقوم به اليهود مع الفلسطينيون في معتقلاتهم، وهو ما يعني، ان الكلب فاق في النبح أباه.
يتنقل المعتقلون في سجون عدة، داخل المناطق الخاضعة للبيشمركة في مناطق ما كنا نسميها بـ (شمالنا الحبيب)، قبل ان يتحول إلى (شمالنا للتعذيب)، ويصبح أكثر السجون شراسة، ووحشية في تاريخ العراق والضحايا معتقلون يرزحون تحت سياط رحمة الجلادين الأسايش.. فسجانو الأسايش هناك، همجيون وبشعون، ومتوحشون حد الجنون، ليس مع المعتقلين فقط، بل حتى مع النساء اللواتي يقطن في هذه المستعمرات البديلة لمستعمرات المحتل، وكان المعتقلون يسمعون لحظات تعذيب أخواتنا، ما يجعلهم يتعذبون أكثر منهن على عذابهن!
يعيش المعتقلون هناك في ظلمة السجون الانفرادية، ولا يصلهم ولو بصيص نور، ولفترات تجاوزت الخمس سنين، ولم يتم عرضهم على محاكم حتى، بل ولم يحققوا معهم، باستثناء تلك المعلومات الأولية التي يأخذونها منهم، والتي تتعلق بالقومية التي ينتمون إليها، والمنطقة التي يسكنونها لا غير!
معاناة المعتقلين هناك لا تصدق، فهم لا يأخذونهم إلى المراحيض إلا بعد فترة طويلة من طلبهم الذهاب، ويخرجونهم منها بعد ثوانٍ من دخولهم إليها، كواحدة من أساليب الحرب النفسية، وكان المسؤول عن هذا الحجز، أو السجن، أو المعتقل، أو المحجر، سمه ما شئت، ضابط برتبة عقيد ويدعى (حمه حاصل)، أما السجن ذاته، فيقع عند مدخل مدينة السليمانية، ومن اتجاه محافظة التأميم، ويحوي آلافاً من المعتقلين، من مختلف المناطق التي تشرف، وتسيطر عليها، قوات البيشمركة، معتقلات تعد فيها المواجهات من الكبائر التي لا تغتفر، معتقلات تفتقر لكل شيء، ولا تحمل من سمات (القانونية)، سوى العنوان لا غير، مثلما لا يحمل نزلاؤها، سوى الاسم فقط، ان كانوا يتذكرون أسماؤهم الآن!!
التعذيب لا يقتصر على الجلادين فقط، فهناك جلادات (بارعات) في هذا المضمار، فلم تكن العمالة أو الخيانة مقتصرة يوماً على فئة دون غيرها، أو على عرق دون غيره، أو على جنس دون آخر، فقد كانت هناك امرأة من البيشمركة، ولا تزال، تشرف على تعذيب أخواتنا من النساء المعتقلات، وتدعى النقيب (فوزية)، وهي من ضباط سجن الآسايش، وتقوم بالأشراف على خمس قاعات، تحوي نساء من مختلف أنحاء العراق، تقوم بتعذيبهن بناء على توجيهات الآسايش، ولو كان في أبواب، وجدران الزنازين حياة، لذابت من شدة تعذيب السجينات!!
(وعد الجنابي) أحد الذين ساقتهم الأقدار إلى سجن الآسايش، وجد نفسه في عالم ثانٍ، لا علاقة له ببلدته في مدينة بيجي والتابعة إلى محافظة صلاح الدين، فـ(وعد) الذي قضى ثمانية عشراً في هذه الزنازين المرعبة، أنهكته همجية السجانين، وقذارتهم، وهم المحسوبين على نفس دينه وملته، أما تهمته، فكانت الانتماء لقومية أخرى لا غير!!
(وعد) تم اعتقاله من بلدته الصغيرة، والمسماة (الصينية)، العراقية الأصل والهوى والطباع، رغم أنف أسمها الذي لا علاقة له بالصين، فقد شنت قوات البيشمركة حملة اعتقالات واسعة في صفوف المواطنين، وبدعم من أسيادهم الأميركان، وأكثر ما تم استهدافه ساعتها جوامع المنطقة، فداهموا أحد الجوامع أثناء الصلاة، واقتادوا جميع المصلين، مع إمامهم الذي كان يصلي بهم، إلى مقر القاعدة الأميركية في بيجي، لماذا، لا أحد يعرف؟!! وكان من يتولى عملية الأشراف عليهم، عناصر من الجيش الأميركي المحتل، وفجأة اختفى الحرس الأميركي في المعتقل جميعهم، ما أثار استغراب المعتقلين، بعدها بدقائق ظهر أفراد من البيشمركة، واختطفوهم على جناح السرعة من محاجر وزنزانات القاعدة، واقتادوهم مسرعين إلى عدد من سيارات الإسعاف، تم تجهيزها مسبقاً، ثم وضعوهم فيها حشراً، وانطلقوا بهم باتجاه السليمانية، فأدركوا حينها إن عملية قذرة، قد تم ترتيبها والأعداد لها، بين المحتلين الأوغاد، وأذنابهم من عناصر البيشمركة!! فتم أخذهم إلى سجن (كاني كولة) بعد سبعة أيام قضوها في (جنان) المحاجر الأميركية مقارنة بجحيم (كاني كولة)!
كانت الاتهامات الموجهة إليهم تهماً مضحكة مبكية، فإحدى هذه التهم إنهم عرب لا غير!
وكانوا يتفننون في تعذيبهم لهذا السبب، ومن أشدهم تعذيباً للنزلاء، شخص يدعى، نقيب (سيروان)، وآخر يسمى الملازم الأول (غريب)، الذين كانوا يعلقون المعتقلين بالشبابيك والأبواب، ولأيام طوال، حتى أن الكثير من المعتقلين المساكين قضوا نحبهم نتيجة التعذيب القاسي والعنيف، بل أن هنالك شخصا يدعى (حسين)، وهو من معتقلي محافظة (التأميم)، تعرض لتعذيب شديد، فاق حدود المعقول، وكانوا يعذبونه بطريقة وحشية، أكثر من غيره، لا لسبب سوى لأنه من مدينة كركوك!
قصة اجتماعية مثيرة وذات شجون، بطلتها هذه المرة سيدة كردية عجوز طاعنة في السن، فبعد استهداف أحد اكبر فنادق السليمانية بهجوم نفذه شخص فجر نفسه عند مدخل الفندق العائد الى (ضخامة) رئيس الجمهورية المحتلة جلال الطلباني، وبعد مضي تسعة أيام فقط على الهجوم، عرض الآسايش صور سيدة عجوز كردية هي (أختر احمد مصطفى) وأبنها (ملكو عباس) المصاب بمرض عقلي والذي لم يبلغ العشرين عاماً بعد في القنوات التلفزيونية وعلى وسائل الإعلام مدعين ان السيدة وأبنها من يقفون وراء الهجوم.
وبعد ستة أشهر من التحقيقات المستمرة، التي لم يراعى فيها كرامة هذه السيدة البريئة وأسرتها وحقوقها وهدر كرامتها الإنسانية وتشويه سمعة أفرادها من دون ذنب أو جريرة، تبين ان العجوز الطاعنة في السن بريئة، براءة العراق من الخونة والعملاء والجواسيس الذين يحكمون اليوم.
لقد تعرضت هذه العجوز الطاعنة في السن الى ظلم وإجحاف كبيرين حيث عرض الآسايش صورتها، وصورة ولدها عبر وسائل الإعلام، وشهر بها تشهيراً غير مسبوق، من دون تحقيقات أصولية، حتى أنها لم تعد قادرة العيش مع محيطها كما في السابق، رغم تبرئتها من التهمة الموجهة إليها فيما بعد.
هذه العائلة هربت من الواقع المأساوي الذي صارت تعانيه، متجهة الى بلدٍ بعيدٍ جداً، كي تكون بمنأى عن الظلم والقسوة والإجحاف واللامبالاة بكرامة الإنسان، في ذلك الإقليم المسخ ولم تعد تفكر بالعودة ما دامت حية، فلقد أهانوها بلا ذنب ولا جريرة، وأساءوا لأسرتها وشوهوا صورتها أمام الناس، ولم يعد لهم مكان في هذا المجتمع الذي يجهل معاني حقوق الإنسان وكرامته.
قصة أخرى مؤلمة لعراقي من سكنة مدينة بغداد كشف فيها عن تفاصيل مروعة لما يجري في سجون الأحزاب الشوفينية في شمال العراق، حيث وبعد ان سرقت سيارته في منطقة البتاوين وسط بغداد تبين له أنها موجودة في محافظة السليمانية، حيث تم سرقتها وتهريبها مع قوافل من السيارات المسروقة التي يتم تهريبها عن طريق الأسايش المتنفذة في بغداد كذلك الى المحافظات الشمالية، وتمكن هذا المواطن من الحصول على أمر ألقاء قبض بحق السيارة وسارقها من أحد مراكز الشرطة الحكومية في بغداد، ليتجه بأمر ألقاء القبض الصادر من العاصمة بغداد، ومعه صور الدار السكنية ورقم السيارة، وبعد بحث وجهد جهيد تمكن من العثور عليها في كراج أحد الدور السكنية بمساعدة بعض السكان الكرد الشرفاء ممن كان يعرفهم، فقام بتصوير سيارته بكاميرا الهاتف الجوال، وذهب الى مركز للشرطة وأعطاهم صورها والتفاصيل الخاصة بها، فأبلغوه بأنهم سيحضرون السيارة في اليوم التالي، وطلبوا رقم هاتفه، وأسم الفندق الذي يقيم فيه، وفي تمام الساعة الحادية عشرة من مساء ذلك اليوم حضر عدد كبير من الأشخاص الى الفندق واقتادوه، بعد تكبيله بالقيود والأصفاد، الى سيارات كانت تقف في باب الفندق، فذهبوا به الى سجن (قلة جولان) الرهيب، وبدأ التحقيق معه من قبل ضباط الأسايش، موجهين له تهمة الإرهاب، وبدأوا يساومونه مع التعذيب القاسي على دفع مبلغ مائتي ألف دولار أمريكي، طالبين منه الاتصال بعائلته (الشيعية) العربية، وإبلاغها أن المقاومة العراقية هي من خطفته، وأنه موجود عند أبناء (السنة) في منطقة الغزالية، وليس في أي مكان آخر! وأن يؤمّنوا الفدية المطلوبة!
بعدها تم إيداعه في زنزانة بدون شبابيك، تحوي مخطوفين من الاعظمية ببغداد، وطلبة بكلية الطب والهندسة من جامعة الموصل مضى عليهم ثلاث وأربع سنوات، والأمر الغريب الأول في الموضوع أن جميع المعتقلين، ممن خطف في عام 2004 و2005 و2006 من قبل سيطرات تلبس لباس الجيش العراقي ومغاوير الداخلية من نزلاء سجن (قلة الجولان) الرهيب يظنون أنهم مسجونون في بغداد، ولم يتم إطلاق سراحهم رغم دفع عائلاتهم مبالغ مالية طائلة.
والأمر الغريب الثاني في أمر هذا الشخص البغدادي أنه، وبعد دفع أهله لمبلغ الفدية، تم إطلاق سراحه من مقر وزارة الداخلية في العاصمة بغداد، وتحديداً من مكتب وكيل وزارة الداخلية حسين كمال، بعد ان تم تسفيره من السليمانية!
لا تتوقف المآسي عند المعتقلين فقط، فقد دفعت عائلاتهم هي الأخرى ثمناً باهضاً لاعتقال أبنائها، ومن هؤلاء (برشنك حمه أمين)، تلك السيدة الكردية التي تقطن مدينة (جمجمال) في محافظة السليمانية، التي لا تعرف مصير، أو مكان سجن زوجها المعاق والذي أعتقله الآسايش منذ أربعة أعوام.. (برشنك) لم يبق باب لم تطرقه، توسلت لدى كل الجهات للكشف عن مصير زوجها، لا أحد يمنحها إجابة تريح بالها أو تمنحها الطمأنينة، فهم لا يردون بأي شيء حول أن كان زوجها حياً أم في عالم آخر، وهو الذي أعتقل ظلماً رغم عوقه!
مأساة (برشك) لا تتوقف عند اعتقال الزوج بل تتعداها الى اعتقال أبنها الوحيد بعد والده، حتى أخذت ترى نفسها هي الأخرى معتقلة، ولكن في سجن كبير، ولا بارقة أمل لعودة زوج طال انتظاره، ولا لفلذة كبد هو كل ما تملكه في هذه الدنيا.
قصة أخرى محزنة، ومبكية مرت بها عائلة كردية اعتقل الآسايش معيلها الوحيد وهو (قادر زيرك) الذي عاد من بريطانيا مع عائلته الصغيرة، فهو قد اختفى بعد أسبوع فقط من وصوله الى أرض الشمال العراقي، ولم يعثر له على ما يؤكد بقاؤه حياً، فانهار حال عائلته، حتى وصل الحزن مبلغه، بعدما يئست العائلة من الحصول على خيط يوصلها للوالد المفقود، بعد اعتقاله، ونكرانه بعد ذلك، من قبل جهاز قمعي لا إنسانية له، ولا رحمة، أو شفقة، حتى على أبناء الكرد!
هذا الحال أوصل أبنته الوحيدة الى حافة الهاوية حيث ماتت منتحرة بعد ان ضاقت عليها الدنيا بما رحبت، بعدما سلبها الآسايش دنياها وأبيها!
الاختفاء بات في أعراف الأجهزة المتوحشة في شمال العراق من البديهيات ومن الأمور المألوفة، فاختفاء (ملا عابد حسن) ذلك المواطن الكردي الذي يسكن محافظة السليمانية، والذي أعتقل بتاريخ الثالث عشر من تموز من العام ألفين وثلاثة من قبل الآسايش، ولم يعثر له على أثر لغاية الساعة، أصبح أمراً عادياً، حتى ان عائلته قطعت الأمل في عودته، واضطرت لعمل مجلس عزاء له، رغم عدم تمكنها من الحصول على خبر موته، لكنها أدركت أن زنزانات البيشمركة والآسايش، إنما هي مقابر دنيوية لا يخرج منها حياً من دخلها!
قصة أخرى، يشيب لها الولدان، لشاب من أهالي حي الثقافة في مدينة الموصل الحدباء يدعى (ذا النون) يحمل شهادة الدكتوراه، والذي اتهمت سلطات البيشمركة عائلته بتفجير ولدها لنفسه في وسط تجمع لعناصر من مليشيا البيشمركة في العام ألفين وخمسة، فجاءوا لهم ببقايا جسد، وأوراق وهويات كان يحملها أبنهم المختفي منذ سنين، وتم دفن بقايا أشلاء جسد أبنهم، الذي لم يتبق منه سوى ما لا يكشف هويته الحقيقية، في مقبرة الموصل، قبل ان يتصل عليهم يوماً هو الآخر، من هاتف مجهول، طالباً منهم شرائه وشراء حريته من الآسايش، ليخرج بعد ذلك!
ليست تلك المأساة الوحيدة من الموصل، فهناك مآسي كثيرة من بينها قصة شاب في مقتبل العمر يسكن في شارع بغداد ويدرس في كلية الهندسة بجامعة الموصل حيث خطف من الجامعة في شهر شباط من عام ألفين وخمسة، حتى ان والده فقد بصره من شدة الحزن على ولده البكر، وبعد سنين عرفوا بمكان ولدهم، وانه مختطف من قبل الآسايش، فاضطروا لبيع دارهم السكنية ليدفعوا فديته، وحينما خرج أكد لمن إلتقاهم ان الآلاف من زملائه لا يزالون يقبعون في تلك السجون السرية معظمهم من أبناء الاعظمية والكاظمية وسامراء والموصل وديالى وكركوك، عرباً وتركماناً، وأنهم يعذبون يومياً على أيدي القوات النازية الكردية من الآسايش والاستخبارات الكردية، ولا يعرف أحداً عنهم شيئاً، وأن كثيراً منهم تم تصفيته تحت التعذيب، وأمام أعين المخطوفين الآخرين!
جهوداً مكثفة قامت بها البيشمركة لاعتقال العرب والتركمان، بصورة غير قانونية، في مدينة كركوك، التي يحاول عملاء المحتل من ساسة الكرد، ضمها الى إقليمهم المسخ، وهو ما كشفت عنه صحيفة (واشنطن بوست) التي أشارت في تقرير لها أن الآسايش الكردي، والذي تدعمه القوات الأمريكية، اختطف مئات من العرب والتركمان من سكان كركوك الأصليين، واحتجزهم في سجون في أربيل والسليمانية، حيث تعرض بعضهم للتعذيب، فقد جاء في برقية سرية لوزارة الخارجية الأمريكية، حصلت عليها الصحيفة، أن عمليات الاعتقال، خارج نطاق القضاء، كانت جزءاً من مبادرة مكثفة، وواسعة النطاق، من جانب الأحزاب السياسية الكردية، من أجل ممارسة السلطة في كركوك بطريقة استفزازية!
تقرير لمنظمة مراقبة حقوق الإنسان (هيومان رايتس ووتش) أكد أن شرطة الأمن الكردية في شمال العراق تعذب بشكل منتظم المشتبه بهم، وأنها اعتقلت الآلاف دون تقديمهم للمحاكمة، وأن انتهاكات واسعة النطاق بما في ذلك الضرب، واستخدام الأسلاك الكهربائية، ومضخات المياه، والعصي الخشبية، والقضبان الحديدية تجري في سجون الآسايش، وان هذا التعذيب يجري بشكل منهجي، ويتعرض كذلك المعتقلون الى أشكال من المعاملة السيئة، وأنه لا يزال التعذيب، والغرف الانفرادية السمة الغالبة على الكثير من العمليات الخاصة بتعذيب المعتقلين في سجون شمال العراق، الى جانب استخدام عمليات الاغتصاب الجنسي أثناء التحقيق، إضافة الى السجن في المرافق اللا صحية واستخدام الكهرباء والماء البارد في تعذيب المسجونين، وأشار التقرير الى وجود حالات اغتصاب جنسي بحق النساء السجينات وبدرجة كبيرة آخرها كانت حالة اغتصاب لفتاة مسجونة عمرها 15 سنة، من قبل مجرمي الآسايش.
أما أهم ما توصلت إليه (هيومان رايتس ووتش) هو اكتشافها ان مستشاري الشرطة الدوليين، ومعظمهم أو جميعهم مواطنون أمريكيون، قد غضوا الطرف عن تلك الانتهاكات المتفشية رغم معرفتهم ودرايتهم بها!
هذا هو واقع الحال في سجون الأجهزة القمعية والإجرامية (القانونية) المعروفة في شمال العراق، فكيف هو الحال في السجون والمعتقلات السرية والسراديب التي مازالت تمارس عملها اليومي بكل حرية ونشاط ؟!
أن سجون البيشمركة هي امتداد لتلك التي جمع المحتل فيها خيرة رجال العراق وشبابه ونسائه وهي في ذات الوقت امتداداً لتلك السجون الإسرائيلية الصهيونية اليهودية، التي يقبع بها عشرات الآلاف من إخواننا الفلسطينيين في ارض الإسراء والمعراج، ورغم اختلاف مواقع هذه السجون، وتوزعها بين تل أبيب، وما يسمى بـ(كردستان)، وبغداد، والبصرة، إلا أنها تحمل سمة معينة، وميزة تجمعها كلها، وهي، أن سجانيها تخرجوا جميعهم من مدرسة واحدة، ونزلائها جمعتهم قضية واحدة، رغم تعدد المواقع واختلاف المسميات!!
فإلى الله المشتكى ظلم مجرم يضرب الأسرى وأيديهم بالقيود، ويسحب الأسرى ويمزقهم كما تأكل فرائسها الضباع لا الأسود.. فيا أمة القرآن استفيقي، ما دهاك، أجبنت، أشروك، أرشوك بالنقود!؟ أكسري كل أسوار الجمود، وان كان ظلام الليل حالك، فان النور بعد الليل حتما سيعود، وان رأيت الظلم يوماً حلَ، فأطمأني، فـ(الآسايش) لابد أن تُهزم، والحق دوماً سيسود، وأن (مسروراً)، لا سره الله، الى زوال.. وأفول!
حسين المعاضيدي - صحفي عراقي
hussein.almaadidi@gmail.com